أنشر الموضوع |
منذ الاستقلال ونظام التقويم المغربي تحكمه ثقافة الاستحقاق والانتقائية والانتخاب، مما ولد مدرسة تمييزية تنتج نخبة محدودة متميزة وأقلية فاشلة دراسيا تتسع صعودا مع توالي سنوات التمدرس، مما يؤدي حتما إلى مزيد من الهدر المدرسي والفشل الدراسي بمدارسنا. فنظام التنقيط العددي المعمول به حاليا يخلق حاجزا متكررا للمتعلم وضغطا، ويدخله في دائرة الشك واحتمالية الفشل الدراسي، وهذا الضغط المتواصل يؤدي في النهاية إلى ظهور أشكال مختلفة من العنف المدرسي: أستاذ / تلميذ (تحكم، تهديد، استرزاق) ـ تلميذ / تلميذ (عدوانية، انعزالية) ـ تلميذ / أب (إخفاء النقط السيئة /تهدم العلاقات الأسرية) لتكون الحصيلة في النهاية تسربات دراسية غير متحكم فيها تمزق نسيج المجتمع وروابطه.
لقد أضحت اليوم ثقافة النقط متجاوزة ومربكة لكل الآباء والمتعلمين، ولم يعد هناك مبرر أخلاقي لنعطي طفلا عمره سبع سنوات ورقة تنقيط كلها أعداد عشرية، ومعدلات متزاحمة للوحدات يحار في فهم مدلولاتها.
وفي مجتمع يتلمس طريقه نحو الديمقراطية الحقة، وإعلاء مبادئ حقوق الإنسان، وترسيخ مقاربات النوع والمساواة، لا بد من خلق جيل جديد يؤمن بالاستقلالية وتقدير النفس، ويجد ذاته في التعاون عوض المنافسة، وذلك حتى نتجاوز وبجدية قطعية الآثار النفسية المترسبة لسنوات الرصاص، وما تلاها من ضغط اقتصادي رهيب لسنوات الثمانينات والتسعينات، وهذا يعني الاتجاه رأسا إلى القطع مع طرق التقييم الحالي لأبنائنا، والتفكير في تغيير جذري لنظام التقويم التربوي المعتمد.
من أجل كل هذا: فإننا كفاعل تربوي صغير ومتمرس ندعو إلى حذف التنقيط نهائيا في التعليم الابتدائي إسوة بكل التجارب الرائدة في ميدان التعليم كفلندا وسنغفورة واليابان، والتي انطلقت قاعدة إصلاح تعليمها من مبادرات لفاعلين تربويين في الميدان خبروا التدريس، وعرفوا علله، وأبدعوا في اختصار طرق الإصلاح، فما يهم أولا وأخيرا هو مخرجات الفصول الدراسية...
وإذ نوجه هذا النداء للمجلس الأعلى للتعليم، باعتباره اليوم الهيئة الموكول إليها الحسم في الاختيارات الكبرى للقضية التعليمية، والتي جعلها جلالة الملك قطب الرحى في الإصلاحات الكبرى لما بعد دستور 2011، فإننا نهيب بكل الباحثين التربويين وجمعيات آباء التلاميذ وجمعيات المجتمع المدني والشخصيات الثقافية والفكرية في بلدنا، وخصوصا وزراء التربية الوطنية السادة: محمد الوفا، عبد الله ساعف، رشيد بلمختار، إسماعيل العلوي، أحمد اخشيشن، لطيفة العابدة، الحبيب المالكي، لثقل تجربتهم الميدانية وحسهم الوطني الكبير، وبعدهم الإدراكي لمغرب الخمسين بعد الألفين أن يدعموا هذا المسعى لخلق نقاش وطني واسع وهادف حول الموضوع، باعتباره موضوعا يهم مستقبل المغرب القريب، وصناعة أجياله المقبلة التي ستربى على قيم التعاون والتآزر الحقيقية، عوض فكرة المنافسة والتسابق.
إن حذف التنقيط من المدرسة الابتدائية المغربية سيغير وجه تعليمنا بالكامل، وتغييرا جوهريا في أدوار الأستاذ التربوية، وسيعطي فرصا حقيقية لتطبيق الترسانة البيداغوجية والديداكتيكية الكبيرة التي تتمتع بها منظومتنا التعليمية، كالدعم والفارقية والخطأ، وغيره.
وسيكون البديل نظاما تقويميا فرديا يتتبع مسار كل تلميذ على حدة حسب إيقاعه التعلمي، يمكنه في النهاية من التمكن من الكفايات الأساس (اللغات – الرياضيات) لكل مستوى، والمحددة بدقة وفق تنظيم هرمي ينطلق من البسيط للمركب.
وكل تعثر دراسي يعالج بالدعم المهيكل والفوري وفق رزنامة مسطرة حتى تحقيق الكفاية والتمكن منها. وهكذا لن تكون هناك تعثرات أو تأخرات دراسية، مادام الأستاذ مطالبا بأن يصل مع متعلمه للحد الأدنى فما فوق من الكفايات المسطرة لكل دورة تعليمية في المواد الأساسية، وحتى يكتسب التقويم الجديد رضا الآباء على اعتبار النقط مرآة واضحة لتطور مستوى أبناءهم سيكون الأساتذة مطالبين بمنح تقديرات غير عددية تتوزع بين ممتاز وحسن ومتوسط وناقص في نهاية كل دورة، مع ملاحظات دقيقة حول مكامن الخلل الواجب معالجته وتداركه.
وهذه العملية ستعطي الحق للتلاميذ النجباء بالبروز، وذلك بحصولهم على أكبر عدد من تقديرات التميز. وبالمقابل ستخفف من ثقل الواجبات المنزلية، وتخلق روح المساواة بين أبناء المغاربة من خلال تخصيص حصص المساء لانجاز الواجبات المدرسية في القسم، وتتبع إنجازها في لحظتها، ليتم البناء المعرفي والمهاري لبنة لبنة. وفي هذا خير للناشئة والوطن.
أنشر الموضوع |
0 التعليقات:
إضغط هنا لإضافة تعليق
إرسال تعليق
Blogger Widgets